شطب الإشارة إلى الطائفة في القيود إنطلق هل يكون مدخلاً إلى المواطنية أم صرعة
بارعة جابر
بعد حملات ومطالبات كثيرة قام بها ناشطون وجماعات وأحزاب علمانية مدى عشرات السنين، صدر أخيرا عن وزير الداخلية والبلديات زياد بارود قرار يجيز عدم التصريح عن القيد الطائفي في سجلات النفوس أو شطبه. وكان اتفاق الطائف، الذي وضع حدا للحرب، كرس الطائفية في الرئاسات الثلاث، ووزع مقاعد مجلس النواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وكذلك المناصب الإدارية ووظائف الفئة الأولى. كما أقر تأليف هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية مازالت موضوع خلاف بين السياسيين والطوائف، فتبرز المطالبة بها حينا وتخفت حينا آخر بحسب التجاذبات السياسية. وإذا كان قرار الوزير لا يملك مفاعيل دستورية، إلا أنه يشكل خطوة رمزية في انتظار إلغاء الطائفية من النصوص إذا نجح في إلغائها، ولو جزئيا، من النفوس.
وفي هذا الإطار، يقول المسؤول عن "البيت العلماني في لبنان" وأحد أبرز المطالبين بالمشروع المقرّ الكاتب نصري الصايغ إن "فكرة شطب الإشارة إلى الطائفة في سجلات النفوس بدأت مع تجمع ضم مجموعة من العلمانيين واللاطائفيين، وتقدم الدكتور طلال الحسيني باقتراح شطب هذه الإشارة. وتحركت مجموعة ضمت إلى جانب الحسيني والصايغ، نايلة جعجع، ورجاء هاشم وآخرين يمثلون المجتمع المدني غير الملتزم أي حزب أو مؤسسة، فطالبت بتنفيذ المشروع المبني على مجموعة مواد دستورية وقوانين دولية وقرارات لبنانية تقضي بأنه من الحق الطبيعي للإنسان اللبناني أن يعلن أو لا يعلن عن طائفته أو دينه عندما يشاء. وقدم عشرات من هذه المجموعة، بتاريخ 13 نيسان ذكرى اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975، وكل في منطقته، الطلب عبر مأموري النفوس إلى وزارة الداخلية التي أحالته على لجنة استشارية درست المشروع، غير أن وزير الداخلية والبلديات آنذاك حسن السبع لم يصدر قرارا في هذا الشأن، إلى حين تسلم الوزير زياد بارود، وهو من الذين عملوا في مضمار الحريات في لبنان، فأصدر القرار وطلب من المديرية العامة للأحوال الشخصية قبول عدم تصريح صاحب العلاقة عن القيد الطائفي، وقبول طلبات شطب هذا القيد من سجلات النفوس ممن يريد". وتضمن قرار الوزير أنه في حال عدم التصريح عن القيد أو طلب شطبه تدون إشارة "+/+" في الخانة المخصصة للمذهب في قيود الأحوال الشخصية العائدة لصاحب العلاقة، علماً ان السلطات اللبنانية ألغت بعد انتهاء الحرب الأهلية، ذكر الطائفة على بطاقة الهوية الجديدة. إلا أن الصايغ لا يعتبر أن مجرد شطب الإشارة إلى الطائفة يكفي لإلغاء الطائفية المتجذرة في النفوس، بل يرى أن القرار يعطي "الحق لأي لبناني يرغب في أن يكون مواطنا غير طائفي، بمعنى أن يكون مواطنا لبنانيا وليس مواطنا، أي مواطنا في الطائفة، وأصبح من واجب الدولة أن تعترف به من منطلق أنه مواطن في الدولة اللبنانية بعدما كانت تعترف به من منطلق أنه شيعي، سني، ماروني، كاثوليكي، أو درزي... أي شيء إلا مواطن لبناني، وقيمة هذا الالغاء للطائفية انها تفتح المعركة بين القوى المواطنية والعلمانية من جهة والقوى الطائفية من جهة أخرى، فيستطيع من لا يريد أن يكون طائفيا أن يخرج ويقول إنه لا يريد ليصبح جزءا من الحركة المدنية العلمانية اللاطائفية، ويطالب بحقوقه لا كطائفي بل كمواطن لبناني ينتمي إلى الوطن، وهنا أستطيع أن أقول إن مرحلة جديدة بدأت في لبنان، والفئة التي تكسب تنجح في تثبيت مبادئها". وفي هذا الطرح يلتقي الصايغ مع رئيس المجلس الوطني لاتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني عربي العنداري الذي قال إن "مبدأ الإتحاد هو تنمية روح المواطنة والوطنية في الشباب على أساس علماني يؤمن بحرية كل شخص في أن يكون إيمانه علاقة خاصة بينه وبين ربه وحريته في ممارسة الطقوس الدينية التي يفرضها الدين عليه، وإنما هذا الإنتماء الديني يجب ألاّ يكون سببا للتفرقة بين الأفراد بمعنى أن علاقة الدولة بالمواطنين وعلاقة الأفراد في ما بينهم داخل المجتمع الواحد يجب ألاّ تكون على أساس الإنتماء إلى طائفة معينة وإنما يجب أن تكون على أساس المواطنة كمواطنين لبنانيين"، واعتبر أن "القرار خطوة أولى نحو المواطنية، إلا أنه لا يحل المشكلة الطائفية كليا لأنه في التداعيات القانونية للقرار لا يتغير شيء إذ لا يشكل مدخلاً الى الزواج المدني أو الإختياري، ولا يزال التمثيل في مجلس النواب والوظائف الرسمية من الفئة الأولى وحتى من الفئة الثانية قائماً على المحاصصة الطائفية، ثم إن هذا الفرز لا يعتمد على القانون فحسب بل يتمثل في سلوكنا واقتناعاتنا التي اكتسبناها بالتربية والتنشئة الطائفية". وفي السؤال عما إذا كان شطب الإشارة إلى الطائفة يفقد المواطن اللبناني حقوقه في الدولة، كحقه في الوظيفة الرسمية والحق في الإقتراع وما إلى ذلك، اجاب الصايغ بأن "القانون واتفاق الطائف أقرا مبدأ أساسياً هو لا طائفية الوظيفة حيث يحق لأي مواطن ان يتسلم أي وظيفة باستثناء وظائف الفئة الأولى أي المديرين العامين الموزعة موقتا على الطوائف، وما خلا ذلك من وظائف كالجيش وسواه فلا يخضع لقانون الطائفة. هذا ما يبرر أننا عندما كنا نطالب سابقا بأي حق أو موضوع، كانت هذه المطالبة تتم من خلال الطائفة أو باسمها أو حتى في رعايتها لأنه لم يكن هناك لا أرضية ولا وضع قانوني لمطالبتنا خارج هذا الإطار، وأما حالياً فقد أصبح لدينا الوضع القانوني، ومعركتنا لإقامة نظام مدني لا طائفي في لبنان تبدأ بتحرير المواطن اللبناني من أن يكون ملزما بالإنتماء الطائفي داخل مؤسسات الدولة من دون أن نغفل أن المواطن المحصور بالطائفة خارج الإطار الوظيفي هو اللبنة الأساسية للطائفية، وبتحرير هذه اللبنة سيتحرر النظام العام. ولذا فالمعركة طويلة". كذلك قال العنداري بأن "الفرز الطائفي للوظائف غير قانوني ولهذا لا ينبغي أن يكون لشطب الاشارة الى الطائفة أي مفاعيل سلبية بل على الدولة أن تشجع المواطن المتحرر من الطائفة لتسلم الوظائف على أساس أنه مواطن لبناني وليس ابن هذه الطائفة أو تلك".
وعن النتائج المتوقعة من صدور القرار قال الصايغ "الآن أصبح العمل فرديا بعدما نجحنا في استصدار القرار وهناك دعوة إلى كل اللبنانيين اللاطائفيين لشطب الإشارة إلى طوائفهم من سجلات النفوس وأن يثبتوا فعلاً أنهم أبناء وطنهم لا أبناء طوائفهم"، ويشير الى أن "البيت العلماني الذي يجمع تحت سقفه طلاباً جامعيين، وفنانين ومثقفين علمانيين يمارسون مختلف النشاطات باستثناء النشاطات السياسية الحزبية أو الطائفية، ليس جزءا من حركة شطب الإشارة وإنما هو نشاط من نشاطاتها". ويوضح أنه "لا يحق للدولة اللبنانية وفقا لدستورها وقوانينها المرعية الإجراء أن تقوم بشطب الإشارة إلى الطائفة تلقائيا فهذا يحتاج إلى تقديم طلب كما يحتاج إلى ضغط شعبي في حال شجع الرأي العام اللبناني هذه الخطوة وأرادها ان تكون عامة وتلقائية"، داعيا الطائفيين لأن يكونوا لا طائفيين، والعلمانيين بأن يكونوا حقا علمانيين. وكشف العنداري عن تحرك جماعي يتوجه خلاله عدد من الشباب إلى مأموري النفوس في أقضية صور، وصيدا، والشوف، وبعبدا، وجبيل، وزحلة، وبعلبك، وراشيا، وطرابلس وحلبا لتقديم طلبات شطب المذهب والطائفة عن إخراج القيد في دوائر النفوس، في حين أن مجموعة أخرى ستتوجه إلى المديرية العامة للأحوال الشخصية في بيروت لتقديم هذه الطلبات. شطب المذهب والطائفة من سجلات القيد جزء من معركة طويلة لإلغاء الطائفية التي يجمع اللبنانيون على أنها السبب الرئيسي لكل مشكلات الوطن، وهذه المعركة يفترض أن تعمل على إلغاء الطائفية من النصوص كالنفوس وصولا إلى دولة مدنية يتساوى فيها جميع المواطنين، أمام قانون موحد، في الوظيفة وفي الأحوال الشخصية. وهي معركة قاسية دونها الكثير الكثير من العقبات والعراقيل.
|